إجراءات الخبرة في المادة المدنية
تقديم:
لا يمكن للقاضي أن يفصل في الدعوى دون تحقيق مستفيض يتحرى فيه جميع وسائل الإثبات المتاحة، من قرائن، وشهادة الشهود وغيرها.
وقد يتطلب الأمر تحقيقا دقيقا يلتجأ فيه إلى ذوي الاختصاص، وأهل المعرفة، مما يدفع به إلى إجراء معاينة في عين المكان، لإثبات واقعة مادية أو التحقيق، للوقوف على ادعاءات الأطراف، أو القيام بإجراء بحث في موضوع الدعوى، حيث يبدو البث فيها مفيدا في تحقيق الدعوى، أو الوقوف على أداء اليمين في حالة ما إذا وجهه أحد الأطراف إلى خصمه، أو تحقيق الخطوط إضافة إلى الزور الفرعي.
هذه الإجراءات نص عليها قانون المسطرة المدنية، وتعتبر الخبرة من أهمها نظرا لما تثيره من إشكالات قانونية ومسطرية قد تعصف في بعض الأحيان بحقوق الدفاع...
مفهوم الخبرة:
الخبرة لغة:
الخبرة لغة هي العلم بالشيء، والخبير هو العالم، ويقال: خبرت الأمر أي علمته.
والخبير اسم من أسماء الله الحسنى وإحدى صفاته، حيث يقول تعالى في محكم تنزيله:
" الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير" (سورة سبأ، الآية 1)، وكذلك قوله تعالى: "الرحمان فاسأل به خبيرا" (سورة الفرقان، الاية 58).
وكلمة "الخبير" جاءت في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، ومعنى الخبير جل جلاله أنه عالم لكل الأخبار ظاهرها وباطنها.
الخبرة اصطلاحا:
واصطلاحا معناها: إجراء تحقيق أو استشارة فنية تقوم بها المحكمة عن طريق أهل الاختصاص.. وذلك للبت في كل المسائل التي يستلزم الفصل فيها أمورا علمية أو فنية لا تستطيع المحكمة الإلمام بها؛ واللجوء إليها إذا اقتضى الأمر لكشف دليل أو تعزيز أدلة قائمة، يعهد بها إلى شخص من ذوي الاختصاص ينعت بالخبير لإبداء رأيه علما وفنا بواقعة أو وقائع مادية يستلزم الأمر بحثها أو تقريرها فيما أشكل على القاضي فهمه وإدراكه. والخبراء هم مساعدوا القضاء، ينتدبون للتحقيق في نقطة غامضة غالبا ما تكون ذات طابع تقني صرف، حيث يستعصي على القاضي إدراكها، والخبراء وحدهم يمكنهم تقديرها.
II.المحور الأول: أنواع الخبرة، الإطار القانوني للخبرة.
1-1: أنواع الخبرة:
1.1.1: الخبرة الاستشارية.
الخبرة الاستشارية وهي أن يلتجأ الشخص إلى أهل التخصص للحصول على المشورة في موضوع معين له علاقة بالقضية المطروحة أمام القضاء. أو يلجأ إليها توقعا لدعوى عازما على إقامتها أو تأكيدا لتقرير الخبرة أو دحضه.. فهي لا تتعدى حدود المشورة، ولا تلزم القضاء في شيء بقدر ما تنور له الطريق.
2.1.1: الخبرة الحبية
وهي تتم بين الأطراف، فتحكمها القواعد العامة لنظام التعاقد، ويطلق عليها كذلك الخبرة الودية أو الاتفاقية، وهي خبرة تقع بين الأطراف دون تدخل القضاء، ولا ينفرد أحد الأطراف باختيار الخبير.. بل لابد من اتفاق بينهم، وهي غير ملزمة للمحكمة حيث يمكن لهذه الأخيرة أن تأخذ منها ما تشاء، وترفضها كلا أو جزءا أو تأمر بخبرة قضائية على ضوئها.
وتشترك الخبرة الحبية مع الخبرة الاستشارية في كون المشرع المغربي لا ينص على أي منها، ولا يشترط فيهما اتباع أي إجراءات محددة. وقد أكد المجلس الأعلى هذا في إحدى قراراته فيما يخص الخبرة الحبية، حيث جاء بقراره عدد: 1448 بتاريخ 27/06/1990 "إن الخبرة الحبية، وعلى عكس الخبرة القضائية لا تخضع في مسطرتها للفصل 63 من ق.م.م."
3.1.1: الخبرة الأصلية
والخبرة الاصلية هي بمثابة تحقيق يهدف القاضي / المحكمة من ورائه استشارة شخص (خبير) أو عدة أشخاص (خبراء) له(هم) دراية خاصة بمسألة من المسائل التي يتطلب حلها أو الفصل فيها لمعلومات خاصة من الناحية التقنية والفنية والعملية، لا يأنس القاضي / المحكمة، من نفسه (ها)فهما بصورة دقيقة..
لقد خصها المشرع المغربي بمجموعة من النصوص في قانون المسطرة المدنية من الفصل 59 إلى 66 منه.
هذا، ومن خلال هذه النصوص نستشف أن اللجوء إلى الاستعانة بالخبير من طرف المحكمة هو أمر اختياري وليس اجباري، وذلك إما بصورة تلقائية أو استجابة لطلب أحد أطراف الدعوى..
إلا أنه هناك بعض الحالات التي يكون فيها الأمر بإجراء خبرة إلزاميا حيث أن مدونة السير على الطرف في الفصل 171 أشارت إلى ذلك "يخضع لزوما لخبرة طبية كل شخص ضحية حادثة سير أدلى للمحكمة المختصة بشهادة طبية تبين عجزه عن العمل مؤقتا للمدة المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة 167، أي 21 يوما. وكذلك الضحية الذي أصيب بعاهة مستديمة".
كما أن الفصل 36 من ظهير 05/10/1984 المتعلق بزجر الغش في البضائع أوجب اللجوء إلى الخبرة.
وكذلك الشأن فيما يخص دعاوى اثبات أو نفي النسب حيث نصت على ذلك المادتين 153 و 158 من مدونة الأسرة.
4.1.1: الخبرة الجديدة
يلاحظ أنه جرى استعمال عبارة " الخبرة المضادة" في حين أن المشرع استعمل عبارة "الخبرة الجديدة"، وقد استعمل البعض:"الخبرة الثانية".
والخبرة الثانية/ أو الجديدة هي بمثابة تحقيق إضافي قد تأتي مؤيدة للخبرة الأولى، كما قد تأتي مناقضة لها. وقد يضيف معطيات جديدة، وبما تكون أمام " خبرة جديدة" وليس خبرة مضادة. والخبرة الجديدة يمكن طلبها كأن تتمم الأولى مثلا، أو لغموض التقرير أو نقص كفاءة الخبير، أو لعدم اقتناع القاضي بما جاء في التقرير. كما أن إجراء الخبرة الجديدة/ المضادة قد يكون بطلب أحد الأطراف.
وتجدر الإشارة إلى أن القاضي غير مجبر بالاستجابة لطلب إجراء خبرة مضادة إذا اطمئن للأولى، إلا أنه عليه أن يعلل ذلك..
لتحميل الملف من هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق