الحدث الجانح على ضوء المحاكمة العادلة _مقالة منشورة بمجلة الفقه و القانون
تمهيد:
اهتم المشرع المغربي بالحدث وعالج قضاء الأحداث ومحاكمتهم والمسطرة المطبقة عليهم في المواد من 458 إلى 517 من القانون الجديد للمسطرة الجنائية .
وقد سلك هذا القانون مبادئ التكريم والعناية التي أقرتها الشريعة الإسلامية للطفل، وأحكام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية كاتفاقيات حقوق الطفل وقواعد بكين، مع الأخذ بعين الاعتبار التجربة الفرنسية في هذا الباب وخاصة ما يتعلق بطريقة العمل والتدابير.
أهداف قضاء الأحداث :
لقد وضع المشرع المغربي في أولوياته حماية الحدث من الانحراف كوسيلة وقائية وتأهيلية وإعادة إدماجه إذا ما تعرض للانحراف، وذلك مراعاة لمصلحة الحدث الفضلى المتمثلة في ضمان نمو الحدث السليم في المجتمع ليكون عضوا صالحا فيه.
ولتحقيق ذلك نص على مجموعة من التدابير سواء في إطار نظام الحراسة المؤقتة (المادة 471 من ق م ج) أو في إطار الحماية والتهذيب (المادة 481 من ق م ج) وهذا لا يعني أن المشرع استبعد بالكامل النظرية العقابية للأحداث، فانه نظرا لما للعقوبة من دور فعال في الحد من الجريمة وحماية المجتمع وخاصة عند وصول الحدث لسن معينة (12 سنة) يصبح فيها قادرا على التمييز ويدرك أهمية ودور العقاب، إلا أن هذه العقوبة تكون استثنائية ومخففة لتتناسب مع خطورة الجرم والظروف الشخصية للحدث .
سن الرشد الجنائي :
رفع قانون المسطرة الجنائية سن الرشد الجنائي إلى ثمان عشرة سنة ميلادية كاملة (18 سنة) وما دام أن مناط المسؤولية الجنائية هو التمييز، فان المشرع اعتبر من هو دون إثنى عشرة سنة منعدم التمييز، وقرر انعدام مسؤوليته الجنائية، أما الأحداث الذين يتجاوز سنهم 12 سنة إلى غاية 18 سنة كاملة، فقد اعتبرهم ناقصي المسؤولية الجنائية لعدم اكتمال تمييزهم ( المادة 458 من ق م ج ) مما يفيد أن المشرع اعتبر مبدأ التدرج في السن أساسا للمسؤولية الجنائية، وهو مبدأ أخذت به كل الأنظمة القانونية سواء في تحديد سن الرشد الجنائي أو سن الرشد المدني .
وما دام أن المشرع اعتبر الحدث دون 12 سنة منعدم المسؤولية الجنائية، فهذا لا يعني انه لا يمكن محاكمته واتخاذ بعض التدابير في حقه وهي المنصوص عليها في المادتين 468 و 480 من ق م ج
حقوق الحدث أثناء البحث التمهيدي :
لقد نصت المادة 460 من ق م ج على مجموعة من الحقوق للحدث أثناء البحث التمهيدي وهي كالتالي :
1- الاحتفاظ بالحدث المنسوبة إليه الجرائم في مكان مخصص للأحداث لمدة لا تتجاوز المدة المحددة للحراسة النظرية، وعلى ضابط الشرطة القضائية المكلف بالأحداث أن يتخذ كل التدابير لتفادي إيذائه. ولا يعمل بهذا الإجراء إلا إذا تعذر تسليم الحدث لمن يتولى رعايته أو كانت ضرورة البحث أو سلامة الحدث تقتضي ذلك، وبعد موافقة النيابة العامة .
2- عدم إيذاء الحدث، إن طبيعة الحدث وطبيعة تكوينه الجسمانية والنفسية غير الناضجة تجعله مهيأ للتأثير بكل سهولة ومن ثمة أوجب المشرع على ضابط الشرطة القضائية عند أول اتصال بالحدث وخاصة إذا قرر الاحتفاظ به أن يتخذ التدابير اللازمة لتفادي إيذائه جسمانيا أو نفسيا، ومن هذه التدابير الامتناع عن استعمال العنف البدني وعن استعمال التعابير المهنية أو حرمانه من الغذاء أو إمكانية الاتصال بأي شيء قد يعرض صحته للخطر .
وقد حرص المشرع على ضمان هذا الحق تمشيا مع ما أقرته الأمم المتحدة في مجموعة من المواثيق الدولية ومنها قواعد بيكين ( القاعدة رقم 10، والقواعد الدنيا لمعاملة السجناء (المادة 93) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 9/3)
3- إشعار أولياء الحدث : أوجبت الفقرة 4 من المادة 460 من ق م ج على ضابط الشرطة القضائية أن يقوم بإشعار ولي الحدث أو المقدم عليه أو وصيه أو كافله أو حاضنه أو الشخص أو المؤسسة المعهود إليها برعايته، بوضعية الحدث والأجراء المتخذ في حقه، ويجب أن يكون هذا الإشعار فور اتخاذ الإجراء، ويشير الضابط إلى ذلك بالمحضر، وتمكن أهمية هذا الإجراء في إشراك أولياء الحدث في المسطرة التي ستجرى مع الحدث، وخاصة عند اتخاذ بعض التدابير التي يستوجب نجاحها مساعدة الأولياء .
4- اتصال الحدث بمحاميه وأوليائه: من الحقوق التي أقرها قانون المسطرة الجنائية هو حق الحدث في الاتصال بأوليائه ومحاميه في مرحلة البحث التمهيدي، إذا ما تخذ في حقه إجراء الحراسة المؤقتة أو الاحتفاظ به في مصلحة الشرطة القضائية، وممارسة هذا الحق تتم بناء على إذن النيابة العامة تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية، ويمنع على هؤلاء إخبار أي كان بما راج خلال الاتصال بالحدث قبل انتهاء البحث التمهيدي للحفاظ على سرية البحث المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من الفصل 460 من ق م ج.
الجهة المختصة بالمتابعة : أول إجراء في محاكمة الأحداث هو المتابعة وقد أسند قانون المسطرة الجنائية اختصاص تحريك الدعوى العمومية وممارستها لجهاز قضائي هو جهاز النيابة العامة حصرا. مما يفيد انه استثناء من القواعد العامة الخاصة بمتابعة الرشداء إذ لا يمكن متابعة الحدث بمقتضى شكاية مباشرة من المتضرر أو متابعة مباشرة من طرف الإدارات العمومية التي لها حق في متابعة الجرائم التي يخول لها القانون الحق في متابعة مرتكبيها .
وفي سائر الأحوال سواء كانت القضية جناية أو جنحة أو مخالفة يجب أن تمر عبر جهاز النيابة العامة (الوكيل العام أو وكيل الملك) كل في نطاق اختصاصه، وهو وحده الذي له صلاحية تحريك الدعوى العمومية (المادة 263 م ق م ج)
- ومما تجدر الإشارة إليه هو أن النيابة العامة تكتفي بالمتابعة وإحالة القضية على قاضي الأحداث أمام المحكمة الابتدائية أو المستشار المكلف بالأحداث بمحكمة الاستئناف ويمنع عليها أن تعتقل الحدث أو أن تتخذ أي تدبير في حقه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق