دراسة في القانون: قاعدة الجنائي يعقل المدني... أي استعمال لأية غاية؟+pdf
موقع القانون فابور يرحب بكم ، الموضوع الجنائي يعقل المدني
وضعت لتفادي تعارض أحكام القضاءين المدني والجنائي
كثيرة هي القواعد المسطرية، سواء منها المدنية أو الجنائية التي تستغل من قبل بعض المتقاضين لإطالة أمد النزاع أمام المحاكم، الأمر الذي أثر -ويؤثر- سلبا
على الأبعاد النبيلة لتلك القواعد، من فرط هذا الاستعمال المعيب، والذي أصبح يشكل عيبا جوهريا في مساطر التقاضي أمام المحاكم
المغربية بانعكاساته السيئة طبعا على سمعة القضاء المغربي وهيبته في الداخل والخارج.
تبعا لذلك، فإن قاعدة الجنائي يوقف المدني أساسها حجية الأمر المقضي جنائيا على القضاء المدني، التي لابد لتطبيقها من إيقاف البت في الدعوى المدنية في انتظار الفصل النهائي في الدعوى الجنائية، وباعتبار مركزية هذه القاعدة، كان على المشرع أن يكتفي بالنص عليها دون النص على مسألة الإيقاف تلك.
هل القاعدة من النظام العام؟
أو هل يمكن للمحكمة أن تأمر تلقائيا بإيقاف النظر في الدعوى المدنية المعروضة عليها إلى حين الحكم النهائي في الدعوى الجنائية؟
من الطبيعي أن يختلف الرأي حول هذه المسألة، إذ هناك من يرى أن القاعدة ليست من النظام العام، وبالتالي يجوز للقاضي المدني رفض الأخذ بها خاصة وأنها – أي القاعدة – قد تستعمل وسيلة للتسويف وإطالة أمد التقاضي، كما قد تتخذ وسيلة للتملص من الوفاء بدين مدني أو على الأقل تأخير أدائه، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق.
ورغم من جدية هذا الرأي، فإن الغالبية من الفقه والقضاء كذلك ترى أن القاعدة المذكورة هي من النظام العام، خاصة وأن القوانين في أغلبها تنص عليها بصيغة الوجوب كما هو شأن المادة 10 من قانون المسطرة الجنائية المغربي في فقرته الثالثة : "... غير أنه يجب أن توقف المحكمة المدنية البت في الدعوى، إلى أن يصدر حكم نهائي في الدعوى العمومية إذا كانت قد تمت إقامتها..."
وحسب هذه النتيجة، كلما ثبت للقاضي المدني أن دعوى جنائية قد تمت إقامتها كان عليه أن يأمر من تلقاء نفسه بإيقاف النظر في الدعوى المدنية المعروضة عليه، إلى حين البت النهائي في الدعوى المقامة، كما أنه لا يجوز للأطراف الاتفاق على ما يخالفها أو التنازل عنها، وفي مقدور المعني بالأمر أن يثير الدفع بها ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف أو النقض.
وقد أكد القضاء المغربي هذا المبدأ نفسه، في قراريه الصادرين عن المجلس الأعلى سابقا، الأول تحت عدد: 2266 بتاريخ 2001.11.21 منشور بالتقرير السنوي للمجلس الأعلى سنة: 2001 ص: 122 و123 والثاني تحت عدد: 1823 بتاريخ: 2002.5.23 منشور بمجلة الملف عدد: 6 ص: 254 وما يليها.
هل القاعدة ملزمة حتى بالنسبة لقاضي المستعجلات؟
لم يكن الجواب عن هذا التساؤل سهلا، باعتبار فرعية القضاء الاستعجالي بالنسبة للقضاء المدني، الأمر الذي يلزمه بالإذعان لقاعدة الجنائي يعقل المدني.
وأما باعتبار طبيعته التي تقتضي السرعة في اتخاذ التدبير الكفيل بحماية الحق، فإنه من الصعوبة بمكان إلزامه بالقاعدة.
لكن مع ذلك، يمكن القول بأن القاعدة المذكورة وضعت بالأساس لتفادي تعارض الأحكام الموضوعية فيما بينها، الصادرة عن القضاءين المدني والجنائي لا القضاء الاستعجالي، الذي لا يصدر إلا أوامر أو قرارات لا تمس ما يمكن أن يقضي به في الموضوع، وتتعلق بتدابير استعجالية تتنافى بطبيعة الحال مع أي إيقاف.
علاوة على أنه لا خوف من صدور حكمين متناقضين عن القضاء الاستعجالي والقضاء الجنائي، لأن القضاء الأول قضاء وقتي بطبيعته والثاني موضوعي بطبيعته، كذلك لا تعارض بينهما – نقض مدني 23 نونبر سنة 1927.
لكن خارج هذه القاعدة، كلما تأكد لقاضي المستعجلات أن التدابير المطلوبة منه لا علاقة لها بدعوى جناية، عليه أن يصرح بعدم اختصاصه، كما في حالة ما إذا أقيمت دعوى عمومية ضد شخص من أجل استعمال محل مكرى له للدعارة، فلا يمكن للقضاء الاستعجالي إفراغ هذا الشخص من المحل موضوع الفعل الجنائي، بناء على استعماله له في غير ما أعد له حسب عقد الكراء، مادام أن المحكمة الجنائية لم يصدر عنها حكم نهائي بإدانة ذلك الشخص بالمنسوب إليه.
شروط إعمال القاعدة:
يستخلص من المادة: 10 من (ق.م.ج) المغربي أن شروط إعمال القاعدة هي كما يلي:
1/ أن تكون الدعوى الجنائية مقامة فعلا قبل الدعوى المدنية أو على الأقل أثناء النظر فيها.
2/ أن تكون الدعويان ناشئتين عن واقعة مشتركة بينهما.
3/ أن يتحد أطراف الدعويين.
نقارب باختصار هذه الشروط فيما يلي:
الشرط الأول: إقامة الدعوى الجنائية:
يقصد بهذا الشرط: شرط إقامة الدعوى الجنائية قبل الدعوى المدنية أو على الأقل أثناء النظر فيها، أن تكون الأولى قد أقيمت فعلا أمام المحكمة الجنائية، بإحالتها من قبل قاضي التحقيق على تلك المحكمة أو في إطار استدعاء المتهم أمام هذه المحكمة من قبل النيابة العامة، أو من قبل المتضرر بشكاية مباشرة.
ولا يكفي تحريكها فقط أمام قاضي التحقيق، إذ أن هذا الأمر وحده لا يشكل إقامة للدعوى العمومية يترتب عنه إيقاف الدعوى المدنية.
وإذا كان البعض يرى خلاف ذلك ولا يشترط أن تكون الدعوى العمومية قد أقيمت فعلا أمام قضاء الحكم لإعمال الإيقاف وإنما يكتفي بمجرد تحريكها – الدعوى العمومية – بشكاية سواء أمام قاضي التحقيق بالتماس النيابة العامة إجراء تحقيق فيها أو إحالتها – الشكاية – على الضابطة القضائية للبحث فيها
موقع القانون فابور يرحب بكم
للتحميل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق