مدى إنطباق مرسوم القانون المتعلق بالطوارئ على آجال التقادمت (عقيب على تعقيب)
عبد الرحمان الباقوري؛ باحث في القانون
ملتزما بالحجر الصحي بمنزلي، تلقيت مقال الأستاذ عبدالرزاق الجباري حول الموضوع المومأ إليه صدره، وبلهفة المشتاق، اطلعت على ما دون فيه من عبارات دقيقة المعاني قوية الدلالات، وهو الذي سبق وبشرني بالرد ولم يخلف الوعد.أستاذي العزيز، بعد التحية والسلام، وتجديد عبارات التقدير والاحترام؛ في هذا الفضاء وكساحة القضاء، و تحت لواء التعلم والاستفادة، حين تقارعت المزاعم وتضاربت الآراء، يكون للدليل دوره في تمييل الكفة للرأي على الرأي، وبالقراءة والتمعن المتأنيين المتفحصين لما جاء في تدوينتكم، أقول وبالله التوفيق :
- إن الأجل هو " الفترة الزمنية التي حددها القانون او الاتفاق أو القاضي للقيام بإجراء ما، وأوجب ممارسته خلال هذه المدة أو بعد نهايتها أو قبل بدايتها تحت طائلة عدم القبول أوالسقوط بحسب طبيعة هذا الأجل".
والأجل وفق هذه الشاكلة على نوعين : أجل سقوط وأجل تقادم، فآجال السقوط هي الآجال التي بانصرامها يسقط حق ممارسة الحقوق المربوط بتلك الآجال، كما هو الحال في آجال الطعون وفق ما نص عليه الفصل 511 من قانون المسطرة المدنية، باستثناء ما تعلق بالتعرض في علاقته بالنقض، إذ لا يبتدئ الثاني إلا بعد أن يصبح الأول غير مقبول، طبقا للفصل 358 من قانون المسطرة المدنية، والمادة 527 من قانون المسطرة الجنائية، غير إنه في المادة الجنائية يعتبر ممارسة النقض داخل أجل التعرض تنازلا عنه، وهو غير المعترف به مدنيا إلا في مسودة مشروع ق م م في مادتها 474.
- أما آجال التقادم فهي الآجال التي بانصرامها، لا يسقط الحق، وإنما تنقضي بها التزامات كانت مترتبة في ذمة المدين بها، وفق ما نص عليه المشرع في الفصل 372 من ظهير العقود والالتزامات، فتحقق التقادم لا يؤدي الى سقوط الحق من أصله، وإنما فقط سقوط حق المطالبة به، نتيجة سقوط عنصر المسؤولية في الالتزام، مع بقاء عنصر المديونية قائما، ولذلك وجد الفصل 73 من ظهير العقود والالتزامات ليعالج مسألة الوفاء بالتزام طبيعي نتيجة التقادم.
- ومن جهة ثانية، إن لفظ الآجال المنصوص عليه في المادة السادسة من المرسوم بقانون المشار له صدره، هو من العموم الذي يجعله يجب ويحوي كلا الأجلين، سقوطا كان أم تقادما، فهو- أي اللفظ- مسبوق بلفظين يفيدان العموم، وهما جميع و ال، ولعلكم أدرى بما يراد بهما عند جمع الأصوليين، ولا يمكن الاحتجاج بالقول : إن الاستثناء في الفقرة الثانية يدل بدلالة الإيماء على إقصاء التقادم من حكم المادة، استنادا إلى كون إن الاستثناء يجب ان يكون من جنس المستثنى، إذ هو منه وإليه، فالتقادم عبارة عن مدة أو أجل والمشرع نفسه وصفه بالأجل، لذلك فما بالوسيلة الأولى على غير أساس، تاكيدا وتدعيما إليكم :
- ومن جهة ثالثة، فمشرع قانون المسطرة الجنائية، اصطلح على التقادم بالأمد في المادتين 5 و 6 منها، وبالاطلاع على المعجم العربي لسان العرب لابن منظور، فإنه رادف الأمد بالأجل. في حين نجد مشرع المسطرة الجنائية سمى التقادم أجلا في الفقرة السادسة من المادة 6 منها، بل ونص في المادة 648 منها، في معرض تنظيمه لتقادم العقوبات، على عبارة واضحة من حيث الدلالة و مركزة من حيث الاصطلاح على إن التقادم أجلا، إذ نصت المادة 648 ق م ج " يترتب عن تقادم العقوبة تخلص المحكوم عليه من آثار الإدانة اذا لم تكن العقوبة قد نفذت خلال #الآجال المحددة في المادة 649 وما بعدها إلى المادة 651 بعده"، وهذا يدل، دلالة اليقين من غير ريب ولا ريبة، على اعتبار المشرع للتقادم أجلا في المادة الجنائية من خلال سحب لفظ الاجال على جميع مدد التقادم المنصوص عليها في المواد من 649 الى 651. أما في ظهير العقود والالتزامات، فقد وصف المشرع التقادم بالأجل في الفصل 375 حين نص على : لا يسوغ للمتعاقدين... تمديد #أجل التقادم إلى اكثر من 15 سنة..." وفي الفصل 380 في بنده الخامس حين نص على " ...خلال #الأجل المقرر للتقادم"، وفي الفقرة الثانية من الفصل 386 حين نصت على " ويتم التقادم بانتهاء اليوم الاخير من #الأجل". لذلك فإن ما بالوسيلة الثانية على غير أساس من القانون.
أما الوسيلة الثالثة، فقد توقعت منكم إثارتها، وقدمت جوابا استباقيا عنها، حين ذكرتُ في البند الثالث من التعقيب السابق : "ومن جهة ثالثة، لعل البعض سيقول: إن التقادم ليس أجلا بمفهوم القوانين الإجرائية، لأجيبه جوابا استباقيا بالقول : إن الآجال التي توقفت، ليست فقط الآجال المنصوص عليها في القوانين الإجرائية، فالمادة السادسة نصت على توقف جميع الاجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية، والنصوص التشريعية اما اجرائية أو موضوعية أو مختلطة، كما هو الحال بالنسبة لظهير العقود والالتزامات، الذي نظم التقادم كسبب من اسباب انقضاء الالتزامات بصفة عامة بالاضافة الى بعض النصوص الخاصة التي نظمته بدورها". أما قولكم إن قانون المسطرة المدنية لا ينص على أي مقتضى خاص بالتقادم، فهذا أمر لا تشكيك فيه، لان قانون المسطرة المدنية لا ينظم الحقوق والمراكز القانونية إلا عرضا، وانما ينظم كيفية حماية تلك الحقوق والحفاظ على تلك المراكز القانونية فهو قانون للمرافعات. ولذلك فالوسيلة المستدل بها على غير مرتكز من القانون.
- ومن جهة أخرى، يطالعني نص الفصل 380 من ظهير العقود والالتزامات، الذي نص على وجوب توقف أجل التقادم إذا وجد الدائن بالفعل في ظروف تجعل من المستحيل عليه المطالبة بحقوق خلال #الأجل المقرر للتقادم، فكما ظهر لكم، إن المشرع وصف التقادم بالأجل، وليس فقط في هذا النص، بل في العديد من النصوص المنظمة للتقادم سواء في ظهير العقود والالتزامات، او في نصوص خاصة، وإنه كذلك تعتبر حالة الطوارئ ظرفا من شأنه أن يجعل مطالبة الدائن بحقوق أمرا مستحيلا، لذلك، فأجل التقادم سيتوقف لسببين، كونه مشمول بالمادة السادسة من المرسوم بقانون؛ بالاضافة الى ما نص عليه الفصل 380 من هذا الظهير.
- ومن جهة أخرى، واذا كان الأجل نوعان، سقوط وتقادم، فإن من أبرز الفوارق العملية بينهما التالي :
- اولا : خضوع أجل التقادم للتوقف والانقطاع، تطبيقا للفصل 379 وما يليه من ظهير العقود والالتزامات، و عدم خضوع أجل السقوط للانقطاع مطلقا، وخضوعه للتوقف استثناء، وذلك طبقا للفصلين 137 و 139 المتعلقين على التوالي بواودة احد الاطراف او فقدانه لاهليته أثناء أجل الاستئناف، والفصل 358 بالنسبة لاجل النقض، الذي يتوقف بمجرد وضع طلب المساعدة القضائية لدى كتابة الضبط، وكذا الفصل 403 المحيل على الفصلين 137 و 139 من قانون المسطرة المدنية.
- ثانيا : تعلق آجال السقوط بالنظام العام وما يترتب عن هذا الارتباط من آثار لا بالنسبة للاطراف فقط، بل حتى بالنسبة للمحكمة، في حين إن آجال التقادم غير متعلقة بالنظام العام في شقها المدني ( الفصل 372 ظهير ع ل) ومن صميمه في الشق الجنائي.
- ثالثا : غالب آجال التقادم طويلة، في حين إن غالب آجال السقوط ذات مدد قصيرة. بالاضافة إلى اختلافات أخرى غابت عني.
- ومن جهة اخرى، إن مؤسسة الأجل لا يجب حصرها فيما نطقتم به، وخالفتم بذلك إرادة المشرع المطلقة، وكذاك لا يجب أن ينظر إلى هذه المؤسسة- الأجل- من حيث كونها وصف او حالة من اوصاف أو حالات الالتزام، وفق ما تم التنصيص عليه في الفصول من 127 الى 139 من ظهير العقود والالتزامات.
وأخيرا وبه سأختم، اذا قلتم إن قانون المسطرة المدنية لا ينص على أي مقتضى خاص بالتقادم، فإن #قضاء_محكمة_النقض، في مقرر يمكن القول عنه بالمقرر الحديث، بصدد تحديد أجل التماس إعادة النظر في قرارات محكمة النقض علل منطوقه بأن أقصى أجل هو 15 سنة قياسا على أجل التقادم، إذ نص في تعليله على : " تعتبر آجال الطعن في الاحكام آجال سقوط، ولما كان اقصى اجل للطعن باعادة النظر هو 15 سنة قياسا على ما يقرر الفصلان 372 و 387 من ظهير العقود والالتزامات من ان دعاوى الالتزام تسقط بمرور هذا #الاجل لانعدام النص على اجل اعادة النظر في قرارات محكمة النقض في قانون المسطرة المدنية، فإن القرار المطعون فيه بإعادة النظر بعد مرور 15 سنة كاملة على تاريخ صدوره، يجعل الطعن خارج أجله مما يتعين معه عدم قبوله.
- قرار محكمة النقض تحت رقم 36 في الملف المدني عدد 2014/4/1/1807 صادر بتاريخ 19 يناير 2016، منشور بمجلة قضاء محكمة النقض العدد 81، صفحة 81.
أستاذي العزيز، ختاما لكم مني، بكرة وعشيا، جهرة ونجيا، الدعاء الخالص بالعيش الرغيد والعمر المديد، مشفوعين بالصحة الكاملة والسعادة الشاملة، وبسطة في العلم والمال والولد.
والله هو العليم الحكيم.
المرجو مشاركة التدوينة مع أصدقائكم القانونين حتى يدلوا بأرآئهم وبه يغني كل منا رصيده المعرفي القانوني ويشارك ما توصل له من استنتاجات وملاحظات قانونية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق