إثبات سوء النية في دعاوى إبطال التصرفات العقارية_الدكتور حسن فتوخ_
القانون فابور
مـقـدمــة:
تتجلى رسالة القانون والأخلاق في نشر الطمأنينة ومحاربة سوء النية وإن اختلف سبيل كل واحد منهما.
لذلك وما دام التعاقد يفرز العديد من العلاقات المتشابكة والمتداخلة التي يتعذر معها البحث في كل لحظةوحين عن نوايا المتعاقدين وما يجول في قرارة أنفسهم فإنه يكتفى في تقرير مشروعية تلك العالقات
التعاقدية بما ينبئ به السلوك الظاهر المترجم في مضمون بنود العقود التي يعتمد في تكييفها على مقاصدها ومعانيها وليس على ألفاظها ومبانيها.
فما هو دور محكمة النقض في تخليق الحقل التعاقدي من خلال نظرها في المنازعات المتعلقة بإبطال أوبطلان العقود استنادا لسوء نية أحد أطراف العالقة التعاقدية؟ وما هي المعايير التي كرستها محكمة النقض
في هذا المجال الستخالص سوء النية في أحد اطراف العالقة التعاقدية؟
لذلك، فإن الجواب عن هذه األسئلة المتعلقة بإثبات سوء النية في العقود، يتطلب منا الحديث عن المعايير
القضائية التي كرستها محكمة النقض لستخلاص سوء النية في أطراف العقد، من خلا أربعة محاور
كالتالي:
المحور األول :
التقييد االحتياطي كمعيار إلثبات سوء النية
صحيح أن حسن النية هو األصل المفترض تشريعيا في التصرفات القانونية المبرمة من طرف المتعاقدين عمال
بالفصل 477 من قانون االلتزامات والعقود. وصحيح أيضا أن المشرع حصن جميع التقييدات الواردة بالرسم
العقاري لفائدة المتعاقد المقيد من أي طعن أو منازعة في مواجهته بحقوق غير مقيدة. غير أنه إذا ثبت
للمحكمة خالف األصل المذكور في طرفي العالقة التعاقدية أو أحدهما، فإن التقييد المدون بالرسم العقاري
يصبح هو والعدم سواء بسبب فقدانه لألساس القانوني.
ذلك أن إعمال مفهوم المخالفة لمقتضيات الفصل 66 من ظهير 12 غشت 1913 ،يوحي بإمكان التمسك
بإبطال التقييد في مواجهة الغير ذي النية السيئة، وأن إثبات سوء النية يقع على مدعيه، ويتم من خالل
ثبوت العلم اليقيني بالتواطؤ الواقع بين المشتري الثاني والبائع لإلضرار بالمشتري األول، وإمكانية تحصين
حقه عن طريق التمسك باألسبقية في التقييد بالرسم العقاري. إذ إن المبدأ في التشريع العقاري يقضي
بأنه ال يجوز للمشتري األول غير المقيد المطالبة بالتشطيب على عقد شراء المشتري الثاني بعلة أنه
األسبق تاريخا، على اعتبار أن األسبقية في التقييد هي التي تنشئ الحق في مواجهة األطراف والغير عمال
بمقتضيات المادة 77 من ظهير التحفيظ العقاري.
وقد سبق لمحكمة النقض أن استقرت على تكريس هذه القاعدة معتبرة أنه :" ال يكون أثر حتى بين
المتعاقدين لالتفاقات الرامية إلى إنشاء أو نقل حق عيني عقاري إال من تاريخ تقييدها في الرسم العقاري،
وال يمكن حصول حماية الحق العيني حتى بين المتعاقدين إال عن طريق إشهاره بتقييده في الرسم العقاري
المخصص لكل عقار، كما يستفاد ذلك من الفصل 67 من الظهير العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913
والفصل الثاني من ظهير 2 يونيو 1915 المنظم للعقارات المحفظة. وعليه فإن محكمة االستئناف تكون قد
خرقت هذه المبادئ عندما قضت بقبول مطلب شركة كان يرمي إلى الحكم بشطب ما قيد في الرسم
العقاري في 7 يوليوز 1949 من عقد متضمن لتفويت حقوق عينية، محرر في 7 يونيو 1949 وذلك ليتأتى
للشركة الطالبة أن تقوم بتقييد عقد شرائها المحرر في تاريخ فاتح يونيو 1928)(."
وإذا كان التقييد االحتياطي يهدف إلى المحافظة مؤقتا على ضمان الحق بأثر رجعي منذ تاريخ إجرائه بالرسم
العقاري، فإن آثاره القانونية تمتد إلى الغير الذي يفترض فيه أنه على علم به، ولو كان هذا الغير المدعي
لحقوق غير مقيدة هو المشتري األول بمقتضى عقد سابق في التاريخ على شراء المشتري الثاني.
فكيف يمكن إذن هدم قرينة حسن النية المفترضة في المشتري الثاني المقيد بالرسم العقاري؟ أو بعبارة
أخرى ما هو المعيار القضائي لتحديد سوء النية من عدمه في الطرف المالك وفق بيانات الرسم العقاري؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق