قصور مدونة الحقوق العينية عن حماية الملكية العقارية ــالمادة 2 نموذجا ـ د/ #العربي محمد مياد
لا شك أن الدارس لمدونة الحقوق العينية سيجد بأن المشرع المغربي أتى بجملة من المستجدات التي سعت في مجملها إلى ضبط الحقوق المترتبة على العقار ، سواء تعلق الأمر بعقار محفظ أو غير محفظ.
وإذا كانت هذه المدونة جاءت كثمرة للمجهود الذي قامت بها وزارة العدل والحريات بمعية ثلة من أساتذة التعليم العالي المختصين في القانون العقاري بمختلف الجامعات المغربية ، فإن الحس العملي ينقصها، بحكم أن هناك خبراء في مجال العقار يمارسون في الإدارات المغربية المختصة بتدبير العقار "العمومي"، وكان من الأفيد للوزارة المذكورة الاستعانة بهم لأنهم كذلك من أهل العلم والخبرة الحقين.
وقد سبق وأن أثرنا في مقالين سابقين الآثار السلبية الناجمة عن المقتضيات القانونية الواردة في المادة 2 من مدونة الحقوق العينية ، حيث اعتبرنا أن ذلك ما يدخل في مجال الأخطاء التشريعية التي ستؤدي لا محالة إلى قيام مسؤولية المشرع عن كل الأضرار التي ستنجم عنها.
ونظرا لأن الضرر المحتمل قائم، آثرنا توجيه عناية السيد وسيط المملكة لهذا الموضوع ، بحكم وضعه الدستوري والقانوني بل والقضائي، خاصة وأن المادة 23 من القانون رقم 14.16 المتعلق بمؤسسة الوسيط (ج ر عدد 6756 بتاريخ فاتح أيريل 2019 ص 1722) نصت على أنه " يمكن للوسيط في حالة اقتناعه ، بناء على الأبحاث والتحريات التي يقوم بها ، بأن التطبيق الصارم لقاعدة قانونية من شأنه خلق أوضاع غير عادلة أو ضارة بالمرتفقين ، أن يقترح على رئيس الحكومة اتخاذ الإجراءات والمساعي اللازمة لا يجاد حل عادل ومنصف واقتراح مشروع تعديل القاعدة المذكورة، عند الاقتضاء ، وان يبلغ رئيسي مجلسي البرلمان بمقترح التعديل المذكور ."
ولتفصيل محتوى المادة 2 أعلاه ، لابد من الإشارة إلى أن المشروع قانون رقم 39.08 يتعلق بمدونة الحقوق العينية ، كما أعدته وزارة العدل والحريات كان ينص في أصله على "أن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها .
إن ما يقع على التقييدات من ابطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد بحسن نية ولا يمكن أن يلحق به أي ضرر."
وعلى هذا الأساس ميز واضع مشروع مدونة الحقوق العينية بين الغير حسن النية وسيئها، واعتبر كل التصرفات المنصبة على العقار المحفظ سواء تعلق الأمر بالتقييدات أو التشطيبات تكون عاملة إذا كان المستفيد منها حسن النية ، وهذا في اعتقادنا يبقى تحصيل حاصل لما ورد في الفصول 65 ، و65 مكرر و66 من قانون التحفيظ العقاري ، وقد نص الفصل 65 على أنه "يجب أن تشهر بواسطة تقييد في الرسم العقاري، جميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض، وجميع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري، وجميع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به، متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عيني عقاري أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه، وكذا جميع عــقود أكرية العقارات لمدة تفوق ثلاث سنوات، وكل حوالة لقدر مالي يساوي كراء عقار لمدة تزيد على السنة غير مستحقة الأداء أو الإبراء منه.
بينما نص الفصل 65 مكرر بعد تعديله بمقتضى القانون 14.07 على أنه "يحدد أجل إنجاز التقييد المنصوص عليه في الفصل 65 في ثلاثة أشهر ويسري هذا الأجل بالنسبة:
1- للقرارات القضائية ابتداء من تاريخ حيازتها لقوة الشيء المقضي به؛
2- للعقود الرسمية ابتداء من تاريخ تحريرها؛
3- للعقود العرفية ابتداء من تاريخ آخر تصحيح إمضاء عليها.
غير أن هذا الأجل لا يسري على العقود المشار إليها في البندين 2 و3 أعلاه إذا:
- كانت موضوع تقييد احتياطي طبقا للفصل 85؛
- تعلقت بالأكرية أو الإبراء أوالحوالة المنصوص عليها في الفصل 65 من هذا القانون.
إذا لم يطلب التقييد بالرسم العقاري ولم تؤد رسوم المحافظة العقارية داخل الأجل المقرر أعلاه، فإن طالب التقييد يلزم بأداء غرامة تساوي 5% من مبلغ الرسوم المستحقة، وذلك عن الشهر الأول الذي يلي تاريخ انقضاء الأجل المذكور و0,5 % عن كل شهر أو جزء من الشهر الموالي له.
يمكن لمدير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، في حالة القوة القاهرة، أن يمنح الإعفاء من الغرامة المنصوص عليها أعلاه بعد الإدلاء بأي وثيقة تفيد ذلك.
في حين نص الفصل 66 على أن "كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده، وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.
لايمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة."
وعلى هذا الأساس يكون واضع مشروع مدونة الحقوق العينية أكد على الحماية الخاصة للغير حسن النية فيما يخص التقييدات التي يباشرها لمصلحته على عقار محفظ .
لكن ما ينبغي ذكره ، أن الحكومة عندما قدمت المادة 2 من المشروع قانون أعلاه ، أقرت بأن هذه المبادئ منصوص عليها في الفصلين 66 و 67 المذكورين ، على أن هذه المقتضيات مددت لتشمل العقارات غير المحفظة ، الشيء الذي دفع بأحد النواب إلى التساؤل عن المعيار الذي من خلاله نميز بين المتعاقد حسن النية والآخر سيء النية ، مستدلا بمثالين الأول يتعلق بالشخص الذي اشترى عقارا وسجله وفي نفس الوقت يقوم شخص آخر برفع دعوى ضد بائع العقار مطالبا بإتمام البيع معتمدا على وعد بالبيع دون أن يقوم بتقييد احتاطي ، ويتمسك الأول بأنه اشترى العقار بحسن نية ، وتحكم المحكمة بصحة البيع ، والمثال الثاني هو أن المتصرف لا يملك أصلا العقار ويفوته بوكالة مزورة ويعتبر المشتري حسن النية كذلك .
وقد أجابت الحكومة بأن الشخص الأولى بالحماية هو المالك المتضرر الأصلي .( تقرير لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب الولاية التشريعية الثامنة (2007 ـ 2012 ص 6 وما يليها).
غير أن مضمون هذه المادة عدل حيث أضيف إلى ما ذكر "إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه ."
ولنا أن تساءل ماذا استجد حتى أضيفت هذه العبارات التي في مبناها ومعناها تضر بحقوق المالك الأصلي وتقوي جانب المستفيد من عملية التزوير ، فهل المشرع سعى إلى تحصين بعض التصرفات الإدارية السابقة على صدور القانون ، بجعل كل التقييدات أو التشطيبات مبرمة ، حتى لو كان منبعها وأساسها تصرفا معاقب عليه جنائيا ألا وهو التزوير ؟ أم أن الأمر يتعلق باستقرار المعاملات ، واعتبار المالك الأصلي ومن في حكمه مهملا عندما لم يقم بمراجعة مصالح المحافظة لمدة 4 سنوات واطلاعه على السجلات العقارية ؟
ومما ينبغي ذكره ،أنه سبق لمحكمة الاستئناف بالرباط أن قضت قبل صدور مدونة الحقوق العينية بأنه ''إذا كانت إرادة المالك الحقيقي للعقار منعدمة في إنشاء عقد بيع توثيقي منجز بناء على وثائق ثبتت زوريتها بمقتضى قرار جنائي ، فن هذا التصرف لا يرتب أي آثار قانونية بنقل الملكية إلى المشتري حسن النية . يلزم الطرف المشتري برد الشيء موضوع العقد إلى المالك الحقيقي ، وحسن نيته لا تفيد إلا في تملك الثمار إلى غاية تاريخ رفع الدعوى عليه ."(قرار رقم 200 بتاريخ 4 نونبر 2010 في الملف عدد 247_2009 _1402 منشور بمجلة قضاء محكمة الاستئناف بالرباط عدد 3 السنة 2013 ص 120) .
وقد أيدت محكمة النقض هذا القرار عندما قضت بأن " زورية عقد البيع تجعله منعدما وغير منتج لأي أثر وإن كان مسجلا بالعقاري وكان حسن النية ." ( قرار رقم 2691بتاريح 29 ماي 2012 في الملف المدني عدد 919/ 1/2/2011 منشور بالمرجع أعلاه ).
غير أن محكمة النقض في قضية مماثلة قضت بأنه "في حين أنه بموجب الفصل 66 في فقرته الثانية من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري والفصل 3 من ظهير 2 يونيو 1915 المطبق على العقارات المحفظة، فإنه لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال التسجيل في مواجهة الغير المسجل عن حسن نية، وأن ما يقع من إبطال لا يمكن أن يواجه به ولا يمكن أن يلحق به أي ضرر، وهذه المقتضيات القانونية تؤسس لمبدأ القوة الثبوتية للتقييدات، ونصت بدون أي تحفظ كيفما كان نوعه، على أن التقييدات في الرسوم العقارية لفائدة الغير حسن النية قرينة على صحتها. وبالتالي فليس هناك ما يستثني حالة البطلان بسبب ثبوت التزوير في عقد وقع تقييده، ويبقى للغير المقيد عن حسن نية حق التمسك بهذه المقتضيات، ولذلك، فإن القرار المطعون فيه حين علل قضاءه على النحو المذكور أعلاه، ودون أن يبحث في حسن أو سوء نية الطاعن باعتباره غيرا بالنسبة إلى العقد الذي ثبتت زوريته بحكم جنحي نهائي، يكون خارقا للفصل 66 من ظهير 12غشت 1913 والفصل 3 من ظهير 2 يونيو 1915 مما عرضه للنقض والإبطال" ( قرار محكمة النقض عدد 170 بتاريخ 20/30/2013 بغرفتين مجتمعتين)
ونحن نعتقد بأن الاتجاه الذي سار فيه المشرع ،وكذا القرار القضائي الأخير الصادر في ظل مدونة الحقوق العينية ، اتجاه خطير لمخالفته للدستور الذي خص الملكية بحماية خاصة ، مستلهما روحه من الاتفاقيات الدولية وحقوق الانسان والشريعة الإسلامية.
وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل كيف يعقل أن يرتب آثار قانونية على تصرفات مشينة يعاقب عليها القانون الجنائي ، تتثمل في الزور واستعماله . ثم كيف يمكن إعطاء حصانة للتقييدات ، والسمو بقيمتها إلى مرتبة التحفيظ ، واعتبار مدة 4 سنوات مدة سقوط كافية لتطهير العقار المحفظ من كافة الحقوق العينية المنصبة عليها حتى لو كان أساسها التزوير .
وقد قضى المجلس الأعلى(محكمة النقض) بأنه " لا يمكن قانونا التشطيب على رسم عقاري وإعادة إجراء مسطرة التحفيظ لأن رسم الملك الناتج عن التحفيظ له صفة نهائية ولا يقبل الطعن ولا الإلغاء ولو في حالة التدليس .( القرار بتاريخ 1أبريل 1998 في الملف 95/ 1/ 1/ 2164).
قد يقول قائل بأن هناك تمييزا بين التحفيظ والتقييد، وهذا صحيح، ولكن إذا كان التحفيظ يطهر العقار مما علق به قبل التحفيظ، فإن التقييد لا يطهر العقار وإنما يحيينه ويضبط التصرفات المنصبة عليه ، لذلك لا مجال للقياس عليه .
ولنا أن تساءل عن المقصود بحسن النية؟
عرف المجلس الأعلى (محكمة النقض) حسن النية بأنه ذلك الشخص الذي يعتقد بأن من يتعامل معه هو وكيل فعلا، وأن يكون هناك مظهر خارجي للوكالة صادر عن الموكل من شأنه أن ينخدع له الغير ويجعله مطمئنا إلى قيام وكالة حقيقية . ( القرار رقم 1344 بتاريخ 18 مايو 1992 في الملف المدني رقم 4ـ 85 منشور على موقع محكمتي في اجتهادات مغربية)
وهذا يعني أن حسن نية من عدمها يحكمها المظهر الخارجي للوثائق المستدل بها من طرف المتعاقد بشكل يجعل الغير يطمئن إليها وتجعله منخدعا ومعتقدا صحتها.
وفي المقابل ، قضت نفس المحكمة بأنه لا يكفي لإثبات سوء نية المـشتري صدور حكم في مواجهة البائع قضى بإدانته من أجل جنحة النصب والتصرف في مال سبق له التعاقد بشأنه، مادام لا يوجد في الملف ما يفيد أن المشتري كان عالما بالبيع الأول عندما قام بتسجيل شرائه بالرسم العقاري. ( القرار رقم 9 بتاريخ 8 يناير 2013 في الملف رقه 618/ 1/ 7/ 2012 المرجع أعلاه).
وصفوة القول، فإن الآثار السلبية للمادة 2 من مدونة الحقوق العينية أكثر من نفعها،من أهمها الإصابة في مقتل الأمن القانوني، والتسليم بالأحكام القضائية الصادرة على إثرها ، لذلك نرى أنه سيكون عدلا ، إعمال مسؤولية المشرع عن أخطائه التشريعية بالنسبة لكل متضرر ضاعت حقوقه على أساس المادة المذكورة من أجل مطالبته قضائيا بالتعويض عن هذا الخطأ التشريعي المفترض الذي مس بقدسية الملكية العقارية وهز أركان فلسفة قانون التحفيظ العقاري التي تقوم على الطمأنينة واستقرار المعاملات، وفتح باب عفا الله عما سلف بالنسبة للأشخاص الذين شاركوا أو ساهموا أو قاموا بالفعل المادي للتزوير على الأقل بالنسبة للتشريع العقاري .
والأمل معقود كذلك على وسيط المملكة من أجل اتخاذ المبادرة لتفعيل مقتضيات المادة 23أعلاه لأن من المهام الأساسية لهذه المؤسسة كما ورد في المادة 2 من القانون المنشئ لها الدفاع عن الحقوق والاسهام في سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل والانصاف والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق