التعليق على حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة الذي اعتبر السرقة في حالة الطوارئ جناية -الطالب الباحث بسلك الدكتوراه محمد يميني - القانون فابور droit fabour
        التعليق على حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة الذي اعتبر السرقة في حالة الطوارئ جناية -الطالب الباحث بسلك الدكتوراه محمد يميني

التعليق على حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة الذي اعتبر السرقة في حالة الطوارئ جناية -الطالب الباحث بسلك الدكتوراه محمد يميني

شارك المقالة

        التعليق على حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة الذي اعتبر السرقة في حالة الطوارئ جناية -الطالب الباحث بسلك الدكتوراه محمد يميني






                  
                  التعليق على حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة الذي اعتبر السرقة في حالة الطوارئ جناية 

         أصدرت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة  ، وهي تبت في القضايا الجنحية بتاريخ 9 أبريل 2020 حكما بعدم الاختصاص في قضية تتعلق بالسرقة الموصوفة لاقتران فعل السرقة بظرفي التعدد و ارتكابها  زمن الكوارث حسب الفصل 510  من القانون الجنائي .
       وتتلخص وقائع النازلة في أن المتهم إدريس سأل المدعو ميلود عن كبش لشرائه ، إلا أن هذا الأخير طلب إمهاله ثلاث أيام ليتصل بعد ذلك بالمتهم مصطفى ليعرض عليه فكرة سرقة كبش بواسطة عربته المجرورة بحصان ليوافق هذا الأخير على الفور ، فانتقلى معا صوب أحد الحقول فوجدا كبشا وسط الأغنام بدون راعي فوضعاه في كيس كبير داخل العربة المجرورة بالحصان ، بعد ذلك تم الاتصال بالمتهم إدريس لتسليمه الكبش الذي جاء برفقة المدعو عمر ، وأثناء عملية التسليم تمت مداهمتهما من طرف عناصر الشرطة بالقنيطرة ، ليقدم بعد ذلك المدعو إلياس شكاية مفادها أن كبشا سرق منه إلا أنه بعد تفقده للكبش الذي كان بحوزة المتهمين تبين انه ليس ملكه في حين ان المدعو إدريس أنكر علمه بأن الكبش متحصل من السرقة و أن رفيقه عمر لا علاقة له بهذه القضية،  هذا ما صرح به المتهمون أثناء البحث التمهيدي أمام الشرطة القضائية .
      بعد ذلك تراجع ميلود ومصطفى عن التصريحات السابقة مؤكدين أنهما لم يسرقا أي كبش و أن الكبش المحجوز يعود لأحدهما بينما المتهمين إدريس وعمر أكدا تصريحاتهما التمهيدية أثناء استنطاقهما من طرف وكيل الملك، ليحيل هذا الأخير الجميع في حالة اعتقال على المحكمة ماعدا المدعو عمر في حالة سراح ، لتصرح المحكمة الابتدائية بعدم اختصاصها لكون السرقة موصوفة بظرفين هما التعدد  وفي زمن الكوارث حسب الفصل 510 من القانون الجنائي .
      ونظرا لتطرق العديد من الباحثين التعليق على الفصل 510 وعلاقته بحالة الطوارئ الواقعة ببلادنا ارتأيت الحديث عن مدى تحقق أركان جريمة السرقة في النازلة ؟ تم أي حجية لمحاضر الشرطة القضائية بعد إحالة القضية على غرفة الجنايات ؟ 
        ينص الفصل 505 '' من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير يعد سارقا، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من 200 إلى 500 درهم .'' فاعتبرها المشرع بذلك جنحة من الجنح إذا ارتكبت في ظروف عادية  وغير مرفقة بأي ظرف يشدد العقوبة ، وهذه الظروف إما أن تكون عائدة لقيمة المسروق ، و إما لصفة في السارق ، أو لظروف ارتكاب السرقة ، فتتغير بذلك جريمة السرقة من جنحة إلى جناية .
       وبالرجوع إلى وقائع الحكم نجد أن الركن المادي للجريمة يتحقق بالاختلاس وهو إخراج المال من حيازة المجني عليه وبدون رضاه وبما أن محل الاختلاس هنا هو الكبش فيشترط فيه أن يكون مملوكا للغير وطالما أن المشتكي إلياس بعد تفقده الكبش اتضح له أنه ليس كبشه ، فبإتباع القاعدة الفقهية التي تقرر بأن '' الحيازة في المنقول سند الملكية '' كما يقضي بذلك الفصل 456 من قانون الالتزامات و العقود '' يفترض في الحائز بحسن نية شيئا منقولا أو مجموعة من المنقولات أنه قد كسب هذا الشيء بطريق قانوني وعلى وجه صحيح ، وعلى من يدعي العكس ان يقيم الدليل عليه..."
الشيء الذي يستفاد منه أن ميلود حائز للكبش- إلى أن يثبت المدعي – وكيل الملك – أن الملكية لا تعود إليه لأن المتهم الرئيسي في القضية و هو المدعو الميلودي  تراجع عن تصريحاته أثناء البحث التمهيدي أمام وكيل الملك ، وطالما أن البراءة هي الأصل كما جاء في المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية ، وهي محفوظة دستوريا انطلاقا من الفصل 119 من الدستور '' يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريء ، الى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به .'' 
        ورغما عن ذلك فإن وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية تغاضى عن تصريحات المتهامين امامه أثناء استنطاقهم و ارتأى العمل بمحاضر الضابطة القضائية في إحالة المتهمين على المحكمة كما جاء في الفصل 290 من قانون المسطرة الجنائية  : " المحاضر و التقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح و المخالفات ، يوثق بمضمونها الى أن يثبت العكس بأي و سيلة من وسائل الإثبات . "
      إذن ما مصير حجية هذه المحاضر بعد إحالة القضية على غرفة الجنايات ؟
        لو كنت محاميا لن أستأنف حكم المحكمة الابتدائية بإحالة القضية على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف لأن الاعترافات التي صدرت عن المتهمين اثناء البحث التمهيدي في محاضر الضابطة القضائية  والتي تم التراجع عنها أمام وكيل الملك ، هذه المحاضر  وإن كانت أمام المحكمة الابتدائية يوثق بمضمونها الى أن يثبت العكس فإنها امام غرفة الجنايات تصبح مجرد معلومات حسب المادة 291 من قانون المسطرة الجنائية : " لا يعتبر ماعدا ذلك من المحاضر أو التقارير مجرد معلومات "
        وبحيث أن غرفة الجنايات ليست ملزمة بالأخذ بهذه المحاضر التي لها الحق في استبعادها تلقائيا ومن دون أي تعليل ومن جهة أخرى يمنع الاخذ بها لوحدها للحكم بالإدانة لأنها لا ترقى إلى مستوى الإثبات القانونية التي يمكن الأخذ بها لوحدها لتكوين اقتناعها حسب رأي الأستاذ هشام بن علي في كتابه ' بطلان الإجراءات الجنائية ' .
     وختاما ، وفي نازلة الحال فإن غرفة الجنايات في حالة غياب أدلة معززة للبيانات المستمدة من محاضر الشرطة القضائية أثناء البحث التمهيدي تكون ملزمة بالحكم بالبراءة في الشق المتعلق بالسرقة وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 305 بتاريخ 25 /12 /1963 بقولها :
إذا تضمن محضر الشرطة اعتراف متهم ، فإن لقضاة الموضوع سلطة كاملة ليقدروا قيمة ذلك الاعتراف حسب الظروف التي أحاطت به ، وإذا انتهى بهم هذا التقدير الى الحكم ببراءة المتهم لا يكون عملهم هذا خرقا لما لمحضر الشرطة القضائية من حجية ما دامو لم ينكروا قيمته . 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم الانضمام الى متابعينا في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي للتوصل بكل جديد hgerht, التقافة القانونية في مختلف المواضيع اليومية

في الموقع الان

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *